إنفلونزا بشرية
من منا لا يعرف الرشوة ؟ إذا نظرنا إلى عدد أحرفها فهي كلمة صغيرة تتكون من ستة أحرف، وإذا نظرنا إلى معناها الحقيقي فهي أبعد مدى من الفهم والتصور.. هذه الآفة الخطيرة التي باتت تهدد نفوس المسلمين , وأصبح البعض منهم يصيغها بمفهومه الخاص وحسب ظروفه التي تناسبه وتتماشى مع متطلباته ، أضحت الرشوة في عصرنا الحالي من الأمور التي عمت بها البلوى في كثير من بلدان المسلمين أو حتى في شتى بقاع العالم ، فلا يكاد المراجع يقضي حاجة أو ينجز عملاً يخصه في معظم البلدان ، إلا بواحد من ثلاثة أمور : إما وساطة ، أو جاه ، أو دفع رشوة . وبمرور الزمن صارت الرشوة عرفاً بين الناس ، حيث يلتزم الفرد بدفع مبلغ إضافي على أتعاب الخدمة للموظف أو الحرفي . حيث أينما ذهبت لقضاء مصلحة ما لدى أية إدارة عمومية أو خاصة فنجد جنود خفائها يتربصون بنا وينتظرون ظهور ضحية لينالوا منها حتى يجدوا من يطالبونه بمنحة أو إن صح التعبير (علاوة) مقابل خدمة ، كما أضحت الرشوة سبيلاً للحصول على وظيفة في الجهاز الإداري ، أو الترقية ، أو النقل ، أو الحصول على علاوة ، أو حتى إجازة . ولم يسلم من هذا الفساد بعض رجال الشرطة والقضاء ، حيث وجد ضعاف النفوس من هؤلاء في القوانين واللوائح القائمة ثغرات عديدة لإرجاح كفة ميزان العدالة لصالح الظالمين وإعطاء الحق لمن لا حق له وظلم واستبداد حقوق من له الحق ، أو لزيادة دخلهم من المال الحرام بأخذ الرشوة عن الخدمات التي يقدمونها للجماهير والتي يؤجرون عليها من مالية الدولة ، وقد صارت الرشوة تأخذ مسميات مختلفة ، فتارة يسمونها إكرامية ، وتارة بقشيش، وتارة يسمونها هدية أو تحية أو وهبة ، وتتخذ الرشوة شكل مبالغ نقدية أو تقديم خدمات، أو تسهيلات ، أو أشياء عينية ، أو الدعوة إلى ولائم بنية إرضاء أصحاب المصالح ، ولقد تفشت الرشوة في غالبية المجتمعات في هذا العصر ، ولم تعد مقصورة على تعاملات الأفراد ، بل أصبحت أداة تستخدمها المؤسسات والشركات التجارية لتحقيق أهدافها وتنفيذ خططها التسويقية ، والتي قد يكون من بينها التجسس الاقتصادي والتقني على الشركات والمؤسسات المنافسة ومحاولة إلحاق خسارة مالية فادحة بها ، وفي الحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من استعمل رجلاً من طائفة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين )) هذا الحديث رواه الحاكم وصحح إسناده .
وحتى الحكومات أصبحت متورطة في الرشوة ، حيث يتم ترقية رؤساء الدول والوزراء وكبار رجال البيروقراطية من وظائفهم إلى مراكز عليا ، ويتقاضون عمولات على الصفقات التي تبرمها بلادهم .
ومن العوامل التي تسببت في تفشي آفة الرشوة في عالمنا الحاضر : هي ضعف الإيمان والتعود على أخذ ما ليس لهم به حق ، وإلى جرأة الناس على المعصية ، وتهاونهم بها , فاستحلوا أكل أموالهم بينهم بالباطل بما في ذلك تقديم الرشوة وأخذها. وهذا الوضع إنما هو محصلة لتفاعل عوامل عديدة والتي على رأسها : تقصير الوالدين في تربية الأبناء على منهج الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .