إن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أشرف وأكرم من أن يعرف قيمته بشر مثله؛ لكن الذي يقدر على تقييمه التقييم الطبيعي
لمكانته هو ربه سبحانه الذي اصطفاه وأرسله" ألا يعلمُ مِن خلق وهو اللطيف الخبير"؟!(المُلك-14)
وإذا أردنا أن نعرف التقييم الحق لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإننا نجد أن الله تعالى حين خاطب الأنبياء جميعا عليهم السلام
خاطبهم بأسماءهم، أما حين توجه بالخطاب إلى حبيبه الأعظم – صلوات ربي وسلامه عليه –لم يقل له :" يا محمد" ولا يا أحمد، وإنما
قال له:" يا أيّها النبي" ،
ليس هذا فحسب وإنما أقسم الله تعالى بأشياء كثيرة من خلقه ، من شتى الأجناس، فنجده يُقسم بالجماد مرة وبالحيوان مرة وبالملائكة
أخرى، ولكنه –سبحانه- لم يُقسم ببشر مُطلقاً إلا برسوله صلى الله عليه وسلم حين قال:" لَعَمرُكَ إنَّهم لفي سَكرَتِهِم يعمهون" (الحِجر-72)
اي وحياتك يا محمد ...فكأن عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياته أمر له مقامه عند ربه!!!!
وإذا كان الناس حين يمدحون إنسانا ًبحُسن الخُلُق ونُبل الصفات،فإنهم يمدحونه لأنهم عرفوا صفاته وقيَّموها بقدراتهم البشرية، وتقييم
البشر للأشياء يخضع لعلمهم بهذه الأشياء؛ لذا فإن الحق حين يقيِّم الخَلق فإنه يقيِّمهم وفق أرفع مستوى خَلقه في الإنسان، اي وفقاً
لعلمه بخَلقه...وحين يقول سبحانه: "وإنَّك لعلَى خُلُقٍ عظيم"؛ فليس المقصود هنا هو الخُلُق المتعارَف عليه عند البشر، ولكنه الخُلُق المثالي وفقاً لعِلم الله
ورسول الله صلى الله عليه وسلم اجتاز هذه المنزلة ،فلم يكن صاحب خُلُق...وإنما كان صاحب الخُلُق العظيم ؛ بتقييم الله العظيم الخبير
بخلقه !!!وإذا آمنَّا به رسولاً مرسلاً من ربه ليهدي الناس إلى الحق وإلى طريق مستقيم سعدهم في الدنيا والآخرة ، وكان سبب إيماننا هو المعجزة التي جاءت على يديه وهو القرآن العظيم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يصبح هو الحَكَم في كل كمال!!! ولا ينبغي أ، نأخذ تصرفاً من تصرفاته ثم ننصب له ميزاناً منموازيتن الكمال ،لنقيس تصرفات الرسول عليه ،
ونقول : هذا يليق، وهذا لايليق!!!!
لأن الأصل أن يكون فعله هو الكمال وهو المقياس.
أما أن نضع نحن على قدر علمنا مقياس للكمال ونقول: " تعالى يا محمد يا بن عبد الله ، يا من بُعثتَ رسولاً لكي نقيس تصرفاتك
علىالميزان الذي وضعناه ....فهذا لا يجوز أبدا ً.
إذن فالأصل أنه مادم ثبت عندي أنه رسول صادق في التبليغ عن الله تعالى، ففعله هو الميزان!!
والعجيب في الأمر أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يتزوج،وإنما زُوِّج ، ،إذن المفروض أن يصعد الخلاف في المسألة غلى الله سبحانه
، وليس لمحمد !!!
لأن الآية تقول: "عسى ربُّه إن طلقكن أن يُبدله أزواجاً خيراً منكم" فكأنَّ ربه هو الذي يطلِّق لمحمد وهو الذي يزوِّجه!!،
والدليل الآخر هو الآية : " فلمَّا قضى زيدٌ منها وطراً زوَّجناكها "
فمن الذي زوَّج؟!! الذي زوج هو الله سبحانه،
إذن فمحمد صلى الله عليه وسلم منفعل وليس فاعلاً للأمر!! فمن يريد البحث في هذه المسألة ، عليه أن يصعِّد الأمر إلى الله سبحانه ،
ويقول: " لماذا فعل ربنا هكذا؟!"
ثم الذين يبحثون هذا البحث نقول لهم:"مادامت المسألة إحصائية، هل الرسول صلى الله عليه وسلم وُسِّع َعليه أم ضُيِّق؟
صحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان جامعاً لتسع زوجات، ومن كان جامعاً لأكثر من أربعة قال له أمسِك أربعا ًوفارق سائرهن؛ لكنه
هو لم يفعل ذلك ، لماذا؟
لأن هؤلاء الأربع المباحات للمسلمين جميعا مطلوبات ، لأن الإباحة في المعدودات ، وليس العدد ، فالرسول لم يقل له ربه مباح لك
تسعة فإن ماتت واحدة أو طلقتها لك أن تتزوج غيرها،
وإنما كل واحدة كان يتزوجها لسبب، فقد ظل حتى عمر الخمس وعشرين عاماً أعزب،
فلو كان المراد من الزواج الجري وراء الشهوة أو السير مع الهوى أو مجرد الاستمتاع بالنساء لتزوج في سن الشباب لا في سن
الشيخوخة، ولتزوج الأبكار الشابات لا الأرامل المُسِنات،
وهو القائل لجابر بن عبد الله حين جاءه وعلى وجهه أثر التطيب والنعمة: ((هل تزوجت؟)) قال: نعم، قال: ((بكرًا أم ثيبًا؟))
قال: بل ثيبًا، فقال له صلوات الله عليه: ((فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك)فالرسول الكريم أشار عليه بتزوج البكر وهو عليه السلام يعرف طريق الاستمتاع وسبيل الشهوة، فهل يعقل أن يتزوج الأرامل ويترك
الأبكار ويتزوج في سن الشيخوخة ويترك سن الصبا إذا كان غرضه الاستمتاع والشهوة؟!
فلما زوَّجه ربه من السيدة خديجة رضي الله عنها التي كان عمرها فوق الأربعين
( سيدة أكبر منه ب15 سنة ومتزوجة من قبله برجلين ولها أولاد)
كان أحد أسباب هذه الزيجة المباركة أن تسانده حين تبدأ الدعوة برجاحة عقلها ، وسعة صدرها ، ومكانتها في قومها؛
وبقي معها خمس وعشرون عاما دون أن يتزوج بغيرها .
وبعد ان ماتت زوجه الله تعالى من السيدة سودة بنت زُمعة رضي الله عنها،
فما كان حظه منها جمال؛ بل وكان عمرها رضي الله عنها (80) سنة حيث كانت اول أرملة في الإسلام - وأراد الله سبحانه ان يكرمها
أن ويكرم النساء اللواتي مثلها حيث ابتدأ بتزويجها لحبيبه صلى الله عليه وسلم ؛ ليكون قدوة للمسلمين من بعده في هذا العمل
الإنساني ،ثم زوجه الله تعالى من السيدة عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنوات لدرجة انها لم تدخل عليه إلا بعد ثلاث سنين لكي
تكون مهيأة لبيت الزوجية ، ،مع أنه قيل أنه لم يدخل بها إلا في سن الخامسة عشرة ؛ وكان صغر سنها ميزة لتتعلم منه الكثير (والعلم في الصغر كالنقش على الحجر ) وعاشت بعده 42 سنة تنشر العلم ؛والحديث في علم السيدة عائشة يطول حيث أنها كانت أعلم الناس بالفرائض والنوافل؛كما أنه كان متعارفاً على تزويج الصغيرات
ليس عند العرب فحسب بل عند الروم والفرس ....، فطبيعة البيئة الصحراوية تجعل الفتاة تبلغ مبكرة !!! فقد كانت عادة
زواج الصغيرات في العرف العربي عادة معروفة، فقد تزوّج عبد المطلب الشيخ الكبير من هالة بنت عمّ آمنة في اليوم الذي تزوّج
فيه عبد الله أصغر أبنائه من صبيّة هي آمنة بنت وهب
وتزوّج عمر بن الخطّاب رضي الله عنه من بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو في سنّ جدّها، كما أنّ عمر بن الخطّاب عرض بنته
الشابة حفصة على أبي بكر الصدّيق وبينهما من فارق السنّ مثل الذي بين الرسول صلى الله عليه وسلم و عائشة رضي الله عنها.
أما أم سلََمة رضي الله عنها لقد كانت أرملة و صاحبة عيال .... وهكذا كل واحدة منهن كان لها قصة وأسباب .
فزينب بنت جحش رضي الله عنها مثلا ًكان زواجه منها من أجل إبطال بعض العادات الجاهلية المستنكرة، ونضرب لذلك مثلاً بدعة التبني
التي كان يفعلها العرب قبل الإسلام فقد كانت دينًا متوارثًا عندهم، يتبنى أحدهم ولدًا ليس من صلبه ويجعله في حكم الولد الصلبي،
ويتخذه ابنًا حقيقيًا له حكم الأبناء من النسب في جميع الأحوال؛ في الميراث والطلاق والزواج ومحرمات المصاهرة ومحرمات النكاح إلى
غير ما هنالك مما تعارفوا عليه، وكان دينًا تقليديًا متبعًا في الجاهلية.
وقد كان هذا الزواج بأمر من الله تعالى، ولم يكن بدافع الهوى والشهوة كما يقول بعض الأفاكين المرجفين من أعداء الله، وكان لغرض نبيل وغاية شريفة هي إبطال عادات الجاهلية وقد صرّح الله عز وجل بغرض هذا الزواج بقوله:
{لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً} [الأحزاب: 37].
وكان زواجه من السيدة جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق من أجل تأليف القلوب عليه وجمع القبائل حوله، فمن المعلوم أن
الإنسان إذا تزوج من قبيلة أو عشيرة يصبح بينه وبينهم قرابة ومصاهرة، وذلك بطبيعته يدعوهم إلى نصرته وحمايته ؛
فقد أُسرت السيدة جويرية مع قومها وعشيرتها، ثم بعد أن وقعت تحت الأسر أرادت أن تفتدي نفسها،
فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه بشيء من المال فعرض عليها الرسول الكريم أن يدفع عنها الفداء
وأن يتزوج بها فقبلت ذلك،
فتزوجها فقال المسلمون: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت أيدينا ـ أي أنهم في الأسر ـ فأعتقوا جميع الأسرى الذين كانوا
تحت أيديهم، فلما رأى بنو المصطلق هذا النبل والسمو وهذه الشهامة والمروءة أسلموا جميعًا ودخلوا في دين الله
وأصبحوا من المؤمنين،
فكان زواجه صلى الله عليه وسلم بها بركة عليها وعلى قومها وعشيرتها لأنه كان سببًا لإسلامهم وعتقهم
وكانت جويرية أيمن امرأة على قومها
كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع هذا العدد معاً لأن من يفارقها زوجها من المسلمين كانت ستجد زوجا آخر....
أما زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فأمهات المؤمنين، لا يجوز لهن الزواج بأحد غيره!!!أما عن قوله صلى الله عليه وسلم "حُبِّب إليّ من دنياكم الطيب والنساء ، وجُعلت قرة عيني في الصلاة" ، فنقول تأمل كلمة " حُبِّبَ"
ولم يقل أُحبُّ!!!و لم يقل أحببتُ ،
حتى لا ينصرف الأمر إلى أن هذا من غريزته، وإنما الله سبحانه هو الذي حبَّب إليه وجعل هذا الحب في قلبه ؛تماماًمثل "زوَّجناكها" !!
ثم تأملوا قول الله تعالى له : " لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ
وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا"الأحزاب الآية 52 أليس هذا دليل على ان الله تعالى هو الذي يزوجه،ويطلِّقه، ثم هو الذي يمنعه ؟
هذا هو كما ل خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ومن لم يفهم هذا الكمال أو يستوعبه، فالمشكلة ليست في رسول الله صلى الله عليه وسلم .
تم اقتباس هذا الرد من كتاب:محمد متولي الشعراوي. الرسول صلى الله عليه وسلم بين المعجزة والواقع